خط النار الساخن..

أنتجت أوروبا حضارة غير مسبوقة، قوانين وحريات وتقدم علمي فما من العصور السابقة لكن هذه السابقة التاريخية لم تمثل الحقوق الإنسانية إذ سريعا ما جيرت فكرها ومنتجها الصناعي العسكري والمدني إلى التوسع الجغرافي بالقوة، ووضع العالم تحت سلطة نهب الثروات وتحولها إلى سلع تتصارع عليها دولها في العالم المتخلف..
حاليًا، وبعد اتساع هذه الحضارة وتعميميها على قارات أخرى، جاء الشعور الباطن بأن مشروع الهيمنة خرجت من أيديهم لتحل قوتي الاتحاد السوفيتي وأمريكا سابقًا، مكان القارة التي أنهكتها الحربين الكونيتين. لكن الأمر خرج من هذه الدائرة إلى توسع الفتوحات الحضارية فجاءت القارات الكبرى لتوجد واقعًا آخر، أي التحول من المستورد من الغرب إلى تطوير أدوات أخرى بحضارة منافسة على السوق والنموذج السياسي والاجتماعي وهنا بدأت معالم جديدة تبرز بقارة آسيا تحديدًا لنجد القائد الياباني يدير معسكرًا ينمو فيه إنسان آخر بأدوات وكفاءات اختزلت الزمن بطفرة صناعية وتقنية هائلتين.
البحث عن الذات أصبح همًا أوروبيا، فهي ليست متجانسة الأعراق والتواريخ وإن صممت نموذجًا لوحدة يدور حولها الجدل بمن يتحمل المسؤوليات المادية في نهوض الدول الأقل نموًا ثم ماذا عن التبعية لأمريكا التي أصبحت ترى في حلفائها مجرد تاريخ بتآكل مع الزمن، وأن بيئة عملها في المستقبل البعيد تبدأ من آسيا ومحيطيها اللاتيني ودول أمريكا الشمالية. والدليل على هذا الافتراق حدث صغير ربما لم يلتفت إليه العديد من المراقبين حين كشفت استخبارات وأجهزة رصد بريطانيا وأمريكا المكالمات الدائرة بين منفذي إسقاط الطائرة المدنية الروسية، وإبلاغها للروس قبل العثور على الصندوق الأسود وما يحويه من أسرار. و بالتزامن جاءت تفجيرات باريس، وهي الملف الأهم دون أن نسمع أي رصد لمكالمات عناصر الإرهاب ممن عرفوا أسرار العمليات الفرنسية، وهو مالا يخفى عليهم و غيرهم لتبليغها الحليف الأوروبي الفرنسي ولكنهم جحدوها..!
الاستنتاج أن باريس لم تعد بنفس الحظيرة الأمريكية البريطانية، إذ أن تمرد مثقفيها من غزو الثقافة الأمريكية، والتي هي في الأصل ثقافة إنجليزية، لم يعد مستساغًا إلى جانب محاولة دفع أوروبا للاستقلال عن الحليف غير الموثوق عسكريًا واقتصاديًا. وهذا التمرد تراه واشنطن خروجًا غير مقبول. وتأتي حركات باريس بعقد صفقات تسلح وفتح أسواق جديدة تخصها وحدها، دافع لأن تقوم واشنطن بردعها وتأديبها، فكان الصمت عن إرهابيي باريس جزء من عمل بعيد المدى..
نموذج آخر هناك معركة سياسية وعسكرية تدور على الأرض العربية منذ أزمنة طويلة، وداعش آخر حلقات الصراع في المنطقة، لكن تصريح أحد القادة العسكريين الأمريكان: أن قول صدام حسين “سَتُبعث عليكم جهنم” لم نصدقه إلا حين عرفنا ما يحدث الآن من تعميم الإرهاب. لكن الخيوط المرتبطة ذهبت لما هو أكثر تعقيدًا. حيث أن أي حروب في العالم تحرك مصانع الأسلحة بمكاسب كبيرة، و أوروبا وأمريكا اعتادتا على هذه السياسات بإشعال الحروب، غير أن داعش خلقت حروبًا من أنواع أخرى مختلفة و بمفاهيم وصراعات تتناسب مع المرحلة الراهنة، إذ أن دخول القوة الروسية سوريا غير المفاهيم وأسرارها، بأن بدأت تكشف وجوه اللعبة، فكل طرف لديه أوراق ضغط واستنزاف للآخر ماديًا وعسكريًا وسياسيًا. وهنا بدأت المنطقة تأخذ بعدها الأخطر، فتوازن القوى بين الخصوم ليس وحده السبب، وإنما هناك دائرة ضبابية قد تجبر أي منهم كشف ما يدور خلف الغرف المغلقة لاستحالة التجانس والتوافق بينهم وفقًا لمحاولة احتكار الهيمنة لصالح طرف أو تحالف ما إقليمي وعربي..
لماذا منطقتنا الخيار الدائم للتوتر وديمومة الصراع؟ ذلك له مبررات تاريخية وأطماع مختلفة اقتصادية واستراتيجية، إلا أن حالة داعش وإن كان الهدف من إيجادها ضرب الإسلام بالإسلام لتفتيت المنطقة وهدم جدار دين يرون فيه منطلق الصراع الحضاري القائم مع الغرب بمؤسساته و ثقافته وأفكاره. إلا أن تلازم الأمن بالمنطقة فرض وجوده على الغرب بشقيه الأمريكي والأوروبي فتح نافذه الرعب الجديد بإخراج العفريت من قمقمه ، فَجَّر حالة خوف لم تكن متوقعه من صانعي داعش بما في ذلك تغير مصطلح الحاجة القصوى للحلفاء الغربيين في العديد من الصفقات التجارية والعسكرية بدول المنطقة..
لكي تكمل حلقات توسيع دائرة الحروب وجعلها هدفًا طويل المدى، جاء الالتفاف على خلق حرب نفسية يدعمها إعلام متكيف على هندسة هذه الحرب وإشاعتها بأساليب في غاية الخبث السياسي، فكان لابد من طرح المملكة العربية السعودية هدفًا لوضعها على خط النار، فأخذت وسائل الإعلام البريطانية دور البادئ والمنظم للعملية وقيادتها، وهي الخبيرة في مثل هذه الحروب فبدأت ترسم خطًا للدعاية بأن في السعودية تدور خلافات بين الأسرة المالكة وأنها على شفا الإفلاس بسبب نزول أسعار النفط والسحب من أرصدتها، والتورط في حرب اليمن ثم الأهم أنها راعية الإرهاب في العالم ليأخذ الإعلام الأمريكي نفس الدور وبتنسيق مسبق ولكن بلغة تلتقي مع نفس الأفكار والتي طرحتها لندن وبدائرة أوسع وأكبر. ثم جاءت ألمانيا، وهي في العادة متحفظة على ما تقول أو تصرح به، لتسير على نفس الخط باتهام المملكة بذات الأفكار، والنتيجة الحقيقية تذهب بنا إلى سبب أكبر وأهم..
فهناك صفقات تجارية وعسكرية وتناغم سياسي مع فرنسا، وتقارب مع روسيا ورفض لإملاءات تلك الدول مما دفعها إلى ممارسة ضغوط تلتقي مع أهدافها. لكن الوعي بالأسباب والمسببات وإدارة المملكة شؤونها باستقلالية قرارها ورفض سلوك التبعية القديمة جعل النتائج تلتقي مع الأسباب في ممارسة سياسة ترويج الإشاعات وطبعها بصور الحقيقة المغلفة بالموضوعية، وهي ذات الأساليب التي عايشناها في كل الأزمنة لكن الظروف تغيرت لأن عالم جديد يُصاغ ويبرر تلك الأكاذيب نمو وعي وطني يدرك الأهداف والأبعاد التي تحاك ضد وطنه..

الإطار والمعنى في زيارة الملك سلمان لأمريكا..

لا يجوز المبالغة في التفاؤل والتشاؤم في العلاقات الدولية، إذ كل طرف يبني استراتيجيته وعقيدته على العائد من المكاسب والخسائر، ومن هذا المنطق يمكن قياس زيارة خادم الحرمين الشرفين الملك سلمان لأمريكا وفق هذه الرؤى والمصالح بين البلدين، ومع أن الخيارات مع الدول العظمى تضيق إلا أن هامش المناورة يحضر وخاصة في منطقتنا المضطربة. ولذلك فأمريكا تدرك أنه خارج الدول الإقليمية الثلاث، تركيا، وإسرائيل، وإيران، لا يوجد من ينافس المملكة في مركز الثقل السياسي والاقتصادي ولاحقًا العسكري..
الجانب الاقتصادي عولج من قِبل الاختصاصيين وتبقى المسألة السياسية ذات الجدلية الساخنة مَدعاة للتأويلات بسبب التباينات في مواقف البلدين، وعلى سبيل المثال فقد تتقارب الآراء بين روسيا وأمريكا حول سوريا أكثر من تقارب المملكة مع أمريكا وحتى بوجود تطابق في مكافحة الإرهاب، فإن الحل السياسي من قبل أمريكا تؤيده أكثر من دعم عسكري لبعض الفصائل بينما وجهة نظر المملكة بأنه لا يتم أي حوار مع النظام إلا بتعادل القوة بين الطرفين السوريين، أما الغموض حول الاتفاق مع إيران فهو مثار للشك حتى من بين أعضاء الكونجرس وإسرائيل أو الداخل الإيراني ومع ذلك هناك محاولات تطمين من أمريكا في حماية أمن الخليج العربي، وقد ظلت الخطوط في الحوار السعودي – الأمريكي شبه متوقفة لدرجة أن الزيارات المتبادلة بين المملكة وكل من فرنسا وروسيا، ربما تركت عند الطرف الأمريكي بعض التساؤل في فقدان حلفاء سياسيين في منطقة الخليج لكن يبدو أن التحضير الجيد لزيارة خادم الحرمين الشريفين لأمريكا، وخاصة أن معظم من يديرون أجهزة الدولة ومستشاريها ورجال أعمالها، معظمهم من درس في أمريكا وتبادل معها مصالح اقتصادية وحتى مع القول إن التوقيت جاء غير متطابق مع الأحداث لأن الرئيس أوباما في شهوره الأخيرة في تركه للبيت الأبيض لا يغير من السياسات و إلا لقلنا إن الاتفاق النووي مع إيران عرضة للتغير أيضا فهي دولة مؤسسات دور الرئيس فيها ليس كما نتصور أنه صاحب السلطة العليا في القرار، وإسرائيل نموذجًا لتوافق الرؤساء حولها…
بلا شك، أن الملك سلمان تجاوز بزيارته ونتائجها تلك الروتينية التي يخرج لها البيان المشترك، بل إن الرسائل التي أوصلتها المملكة برفضها عضوية مجلس الأمن ثم عدم حضور الملك سلمان قمة (كامب ديفيد) أطَّرت عملًا جديدًا لمرحلة أخرى لا تحتمل المجاملات. وحتى عاصفة الحزم التي أيدتها أمريكا، جاءت كرد على أن المملكة ليست لاعبًا اقتصاديًا ومعزولة عن محيطها و أمنها. وبالتالي أعطت هذه المواقف دورًا آخر لعمل مشترك دافعه أن المملكة لم تذهب لأمريكا لاستجداء مواقف أو معونات مادية، أو بيع ذاتها لترضية الحليف الأكبر، وإنما فتح العيون على رؤية واضحة عن الخاسر والكاسب من أي توتر في علاقاتهما. وهنا جاءت الاتفاقات موضوعية سواء على الصعيد الداخلي أو العربي، وخاصة بند مكافحة الإرهاب الذي أصبح هاجسًا عالميًا. وعمومًا فمثلما توجد تباينات وجدت تجاهها مواقف شجاعة لاتفاقات أكثر جدوى ومنفعة للبلدين…

خازوق الإعلام العربي..

خضع الإعلام العربي، إما لدعم دول ضد أخرى، أو الاستثمار بمؤسسات وأشخاص يقبعون خلف أهداف من يمول ويعطي ويحمي ويساند. فكانت بيروت تملك هامشًا من الحرية، أكبر سوق لاستقطاب الحركات والأشخاص والأفكار حتى أنه إلى جانب ازدهارها الاقتصادي، كانت الوجهة الأساسية للتعبير عن جميع التناقضات والحروب العربية النفسية والعسكرية، أو تجهيز وإعداد الانقلابات وخاصة في المحيط الشامي والعراقي حتى أن تهريب الجواسيس وتحريكهم لم تقتصر على المنطقة فقط، بل كان لبنان جزء من مراكز الحرب الباردة بين السوفييت والأطلسي..
ما تحرمة كل دولة العربية على إعلامها، كانت تقدمه عن طريق صحافة بيروت، وحتى قبرص كانت إذاعة الشرق الأدنى، الموجهة من إذاعة الـ”بي بي سي” هي المسموعة في نشر الأكاذيب والدعايات وبمهنية لم يصل إليها الإعلام العربي في تلك المرحلة..
بعد انحسار نسبي لثورة الإعلام الموجه والمسيس الذي كان قاعدته بيروت ذهبت جماعات تسندها دول وتنظيمات وسفارات خارجية لإنشاء صحف ما سمي بالمهاجرة، ولأن المصادر التي تستطيع إيهام القارئ والسامع من الإذاعات الرسمية، مل تزييف إعلامه الرسمي الداخلي لذلك لجأ لتلك الوسائل لأنها، بنظره، أكثر حرية وصدقًا فجرى تزييف آخر للعقل العربي، حتى أن قناعاتنا ما قبل حرب ١٩٦٧م بأن إسرائيل مجرد قزم يرعاه الغرب وأمريكا لن يستطيع الوقوف ساعات أمام القوة العربية البشرية والعسكرية رافق ذلك شعارات وأشعار وطبول وبطولات وهمية، صدمتنا بعد الحرب بأننا نحن الهلاميون وليست إسرائيل، فكانت الصدمة من أنهيار الجيوش والأقلام والإعلام وكل ما تم حقنه في أدمغة ذلك الجيل، بأن كفر بكل تلك المسلمات وأصبح يفتش عن مخرج لهويته واتجاهه، ودوره المهمش وكيف يحقق ذاته ليس من مصادر من صَنَعَ وتَبَرَّعَ بهزيمته، وإنما بفك الإرتباط مع الأحزاب والتنظيمات وكشفه لعبة الشرق والغرب، وأنه الضحية لزعاماته أولًا، وما أفرغته من قيح في أدمغة الشعب العربي..
بعد هذه الخيبات ونتيجة للبيئة التي حفرها الإعلام اللبناني للخارج العربي والداخل اللبناني، انفجرت الحرب الأهلية عام ١٩٧٥م والتي لم تنته إلا عام ١٩٩٠م مفجرة أول صراع طائفي دموي، لتليه هدنة وشبه انحسار عربي باللإهتمام بالشأن السياسي. غير أن البحث عن هوية، أدخل الإسلام السياسي ليكون البديل، فنشطت الأحزاب التقليدية المتفرعة عن الأخوان المسلمين وتلاها ولاءات جديدة لنمط آخر متطرف بدأ مع التكفير والهجرة ثم طالبان ومواليدها، ليصاحبها هذه المرة إعلام جديد يهندس العقل البشري، فتداخلت المصالح الأجنبية مع الداخلية في العالم الإسلامي لتهيئة حروب أكثر دموية تلبس ثياب الدين..
كان مؤشر الثورة الإيرانية يتصاعد ومعه الحرب العراقية – الإيرانية ثم غزو صدام للكويت، لتدخل المنطقة في صراع علني بدخول أمريكا حربين مع أفغانستان والعراق والأخيرة كانت البارود الذي عم المنطقة لتخلق فراغات فرضت ثورات الربيع، وقطعًا النتائج المشاهدة الآن ثمرة كل تلك الخطط التي فواتيرها لا تزال تُدفع من كل دم عربي وإسلامي..

لمن نتركهم؟!

أثير الكثير من الجدل، والقليل من الحلول في قضية الطلبة الذين يدرسون على حسابهم وهم من تورطوا بوعود أوماني، بعض آبائهم باع ممتلكاته، وآخر رهن كل شيء في سبيل رؤية ابنه أو ابنته رافدًا علميًا وماديًا في قادم الأيام..
إحداهن عملت خدامة في موطن بعثتها مقدرة أن ظروف عائلتها لا تستطيع تحمل ما بقي من أعباء، آخر تكلفت أسرة أمريكية  بسكنه ومعيشته ليدير باقي دخله من أي عمل آخر، وثالث تجرد من جنسيته بعد زواجه من أجنبية ليكمل باقي تعليمه..
هذه شرائح صغيرة من عينات كبيرة تركناهم يواجهون مصيرهم بالخارج، وعلى الخط بدأت المنظمات الإرهابية، وربما الجاسوسية، تبحث عن صيدها الجيد في تجنيد هذه الفئات، إما للتطرف والتجسس، أو المشاركة الفعلية باستهداف كل شيء، مستغلين ظروفهم وواقعهم، أسوة بآخرين عرب ومسلمين شردتهم الحروب وسلطات القمع والفرز الطائفي، أصبحوا أحد أسلحة التطرف بالخارج..
القضية التي تعنينا، كيف نعالج الموقف حتى لا نضيف لداعش وغيرها رصيد جديد في قواتها البشرية، خاصة لو تكفلت بإعانة أولئك الطلبة لتجنيد آخرين من المقيمين أو ذوي الأصول العربية والإسلامية، ليكون العمل أمميًا في تغليب الجانب العقائدي على جنسية أو مبدأ أو انتماء الأشخاص؟
لا أدري عن بقية المقيمين، وكيف تتعامل معهم الملحقيات التعليمية، في حل قضاياهم ومراقبة سلوكهم، والطور الذي يسعون إلى تحقيقه. هل هو التحصيل العلمي؟ أم غلبة الثقافة الدينية الغير معتدلة، والذاهبة إلى الكل في حرقهم بإتون الجحيم؟..
التحرك من وزارة التعليم يجب أن لا يخضع للتقويم العاطفي، فنحن أمام حالة قائمة استندت مطالب أصحابها، بصرف النظر عن جدوى التخصصات وملاءمتها للاحتياجات الداخلية، فهؤلاء موجودون ويكابدون مصاعب معروفة لا تحتاج لشرح. ومسؤولية الوزارة ليس قطع تذاكر العودة متذرعة بأسبابها، وإنما كيف نقف على حل يراعي الأسباب الأخطر أمنيًا وسياسيًا، خاصة أن هؤلاء بطموحاتهم مهما تفاوتت النسب، فإن قابليات التغيير في حياتهم وسلوكهم مسألة تحددها الحاجة أولًا لا طهارة المعتقد أو التربية الوطنية التي نشهد ضعفها، ومن هنا لا أدري ما تفكر به الوزارة، وما إذا كانت أقامت دراسات لهذه الأوضاع وعملت مسحًا للدارسين في الخارج وتحاورت معهم حتى تجعل العلاقة غير منقطعة، أم أن العادة ترك الأمور تعالج نفسها، وهنا تبرز سلبيات هذا الإهمال، إذا ما وجدنا من يدفع الدارسين لحلبة الدواعش، وهذا ليس اختزالًا لموقف، أو التخويف منه، ولكن  لكل سبب نتيجة، وعملية أن ندرك المخاطر ونعالجها أفضل من أسف لاحق لا يزن الأمور وفق تطوراتها وتداعياتها..

(جُبَّة) التاريخ.. والآثار..

صورة من متحف النايف
صورة من متحف النايف

مدينة (جُبَّة) شمال جائل عريقة في تاريخها وتكوينها الجغرافي الأكثر غرابة حين يجتمع الرمل مع الجِبال و واحات النخيل في منظر عده الرحالة الذين زاروها من أجمل مناظر الصحراء العربية..
كتابتي لا تستطيع شرح فضائل أهلها وكرمهم، ولا تاريخها لأقتصر على بيت النايف العريق والأسرة الكريمة، وكيف كان لهذا البيت زوار ومقيمون لم ينقطعوا عنه حتى هذا اليوم ومنهم العديد من الرحالة وأشهرهم على الأطلاق (الليدي آن بلنت) التي حلت ضيفًا عليهم عام ١٨٨٠م وسكنت معهم. ما يغري بالموضوع أن المنزل حَوَّلهُ أهله إلى متحف يقتني كل ما كان معروفًا في البادية والحاضرة من أواني وأدوات وسيوف وبنادق ومحَّال وأبواب وأحجار وصور وغيرها. وقد ظل المتحف قِبلة للزوار الأجانب والمواطنين، لكن، رغم الجهد يجمع هذه الثروة التاريخية وحمايتها إلا أن وضعها الراهن من حيث التنظيم والفهرسة، والتواريخ والتخزين من أجل الحفاظ عيها لأزمنة طويلة غير متوفرة، وهذا لا يعزى لقصور من القائمين على المتحف، بل اهتمام هيئة السياحة والآثار التي لا أجد لها بصمة واضحة في احتضان وحماية ذاكرتنا الوطنية التي تمثلها وسائل سوف تزول مع الزمن بفعل المتغير الاجتماعي والتاريخي. ولعل الذين اجتهدوا مثل عائلة النايف بجمع هذه المقتنيات الثمينة وغيرهم من لديهم نفس الجهد يحتاجون إلى مساعدات مادية وتقنية تمد الأجيال القادمة برؤية واقعنا القديم وتسلسله التاريخي. بل إن جَمع ما كُتب سواء المترجم للعربية، أو بقيت نصوصًا في لغات أوروبية أخرى، لابد من وضعه في سياق تاريخ هذه المدينة والمدن الأخرى، وهو جهد لا يستطيع فرد أو عائلة القيام به. بل إن الحاجة إلى الهيئة لتقوم بدورها أسوة بما تقوم به الهيئات على المتاحف العالمية، ورغم إننا في بداية المشوار من حيث الاحتفاظ بهذه الثروات فإن السباق مع الزمن يجعل اهتمامنا بتسريع العمل بدون تعقيدات إدارية ومالية، يتطلب أن لا نركن للإجراءات الطويلة، خاصة وأن العديد من مالكي المقتنيات القديمة يذهب إما لعرضها على هواة جمعها وشرائها، أو تسريبها للخارج من الوافدين الأجانب الذين يعرفون قيمتها التاريخية والمادية مع تقادم الزمن..

"نقش ثمودي من جبة، حائل (هـ.ر ض.ب ك.أ ل هـ هـ.ن م.ش د د.)(يارضا أقتل الآلهة هذا الدعاء لشخص اسمه شداد)". سعد التويجري OfNajd@
نقش ثمودي من جبة. سعد التويجري OfNajd@

جُبَّة نموذجًا للتاريخ والآثار، وقد شهدت في أكثر من زيارة لها أن هناك اهتمامًا بحماية النقوش على الجبال، لكن ليس هذا وحده، وإنما إجراء مسوح لما تختزنه الأرض، حيث تعد من المستوطنات القديمة للإنسان في الجزيرة العربية، ولا بد من إجراء حفريات عشوائية ربما تحدد تواريخ وآثار هذه المدينة حتى يمكن الحفاظ على المواقع من الطمس أو العبث، ولعل الظرف الراهن يساعد على مجالات البحث والتنقيب قبل أن تتسع المدينة وتصبح الآثار المدفونة شُيِّدَ فوقها منازل وأسواق ومرافق أخرى..
عموما لدينا الكثير مما يثري تاريخنا، لكن الحاجة للعمل المباشر والسريع هو ما يجب أن تؤكد عليه الهيئة، إذا كانت تريد أن تكون واجهة قادمة للسياحة الداخلية والخارجية.

إيران ما بعد المرشد..

يذكرنا غياب الزعيم الصيني “ماوتسي تونج” المفاجئ عن شعبه، والتكهنات التي تصاحبها من الشرق والغرب، ثم ظهوره يسبح في مياه النهر ليبدد كل الشائعات والأقاويل..
ما يتداول عن صحة (خامنئي) المرشد الإيراني، والتي أظهرت أن مرضه بسرطان (البروستاتا) لن يعطيه من العمر فترة إضافية، والسبب في تنامي هذه الأخبار وتكهناتها يرجع إلى مستقبل النظام برمته، حيث أن فجوة الأجيال بمن عاصر (الخميني) وما بعده، أو ما يسمى بالجيل الثالث للثورة، وهو النسبة العليا بين المواطنين، هل يفرز دورًا آخر ويعيد صراع المتشددين مع البراغماتيين والإصلاحيين؟ وهل يبقى نظام المرشد أم مجلس قيادي وهو ما سيضع الدولة والثورة والمذهب والسياسة، والتي أصبحت جميعها سلطات مطلقة بيد المرشد، سوف تتحول إلى نظام مغاير يبعد ظل الله في أرضه، والنائب عن الأنبياء كما يزعمون بحيث يبقى النظام يدار بمختلف الأطراف؟..
هذه الأسئلة تعيدنا إلى من سيكون صاحب الدور الفاعل. وهل تقديم بعض الفتات لفقراء الريف الذين يعتمد عليهم النظام وخلافهم مع الطبقات (الأرستقراطية) في المدن الكبرى وأصحاب النزعة الغربية المتفاعل معه، وهي طبقات الأجيال الجديدة، هل ستغير مسار الثورة للدولة؟ ثم ماذا عن المكونات الأخرى التي هبط مستوى تمثيلها الوطني وعزلها من القوميات والمذاهب الأخرى؟ هل تستغل ارتخاء قبضة سلطة الولي الفقيه، وما بعده لخلق اضطرابات جديدة توسع دائرة الخلافات في بلد يشهد تدهورًا اقتصاديًا حادًا مع التزام بتوزيع مداخيل شعبه على حلفاء من حكومات ومذاهب شيعية خلقت طبقة دون خط الفقر بأعداد كبيرة؟..
ثم هل أصبحت ولاية الفقيه وسلطانه التي يدَّعي أنه يستمدها من السماء، بأنها مرحلة تجاوزها الزمن وأن من يرفع شعار الدين بغلاف قومي فارسي يرى أن تراثه ما قبل الإسلام يعلو عليه حضاريًا ويتجاوزه في عصوره المختلفة، وهو النفس والشعار المطروحين من قِبل فئات عديدة ترى أن الفرس يتفوقون على العرب مما أنشأ عقدة أزلية بين القوميتين وذهب إلى صراع المذاهب والطوائف؟
هذا عن الداخل الإيراني، لكن كيف ستحدد معالم السياسة الخارجية، ماذا عن تصدير الثورة، واعتبارها الأساس في التعامل مع المحيط الإسلامي، يعزز ذلك بناء قوة عسكرية تقليدية وما فوق التقليدية أي (النووية). وهل التحالفات مع روسيا وكوريا الشمالية وفنزولا وقوى المستضعفين في العالم، سيكون حزام القوة في نشر مبادئ الثورة وتوطينها خارج إيران، وكيف سيتم التعامل مع الغرب، شياطينه وملائكته، وهو الذي يمارس الضغوط الاقتصادية ويقود الحوار بين الرفض لدولة إيرانية نووية إلا بشروط مقيده، وهل تمدد الحوارات راهن بتطور الأحداث العربية والإسلامية، اللذين ستعطي لهما ميزة المناورة، والاعتراف بالأمر الواقع، والتسليم بما ترغبه، بينما هناك حسابات أخرى تقاس عليها الأبعاد السياسية والمصالح الإستراتيجية لتلك الدول، وأن اعتبار (أوباما) مثلًا رجلًا أقرب لها لتطابق المصالح والتي تجعل أمريكا تفكر بالتعاون مع قوة إقليمية كبرى، كما يُصَوِّر ساسة إيران أنفسهم، بدلًا من أقاليم تتصارع وتتحارب وخاصة في المنطقة العربية، أم أن الغرب يراهن على انقلاب تام داخل المؤسسة الإيرانية نفسها وأن قراءتهم لنزعة الأجيال داخل إيران هي ستغير معالم السلطة الروحية إلى السلطة المدنية، وتغيير الثورة للدولة؟ ..
كل هذه الاستنتاجات قابلة للتأويل والتطبيق، وإيران جزء من أزمات متصاعده حتى في داخلها..

دولة داعش، اختلط العقل بالجنون..!

الحقيقة المرة تذهب إلى أن دولة داعش تشكلت بالعراق وتتأسس بسوريا وتنشط في ليبيا، وأن دواعي وجودها جاء من رغبة لحكومتي سوريا عهد الأسد، والعراق زمن المالكي، ورؤية دول أجنبية تدعي محاربتها، ولم يعد هناك سر أن سقوط مدينة الموصل والرمادي وهروب الجيش العراقي الذي حيَّر الأمركيين وخسارتهم سلاحهم الذي قاموا بإعطائه الحكومة إلا نوع من السكوت وتمرير الأهداف. وإلا كيف تسمح دولة عظمى تخشى، كما تقول، وصول أسلحتها إلى الإرهابيين وتتعامل مع داعش بهذا الوجه وتحرم على المعارضة السورية تقديم مثل هذا العتاد؟
دعونا نقول إن وصول داعش إلى هذا الحجم الكبير لم يكن وفق ظروف مفاجئة بل هناك سيناريو أُعِد ونُفِذ لأن داعش لا ترفع شعارات القاعدة مستخدمة تكتيكات عسكرية وإرهابية لا تراعي أحدًا مغلفة استراتيجيتها على التمدد قبل تحديد مفاهيمها الإديولوجية مما وسمها بخدمة كل الأطراف الإيرانية والحكومة السورية وحزب الله وحتى إسرائيل. بمعنى أن الوجة الذي تخفية هو مدار التساؤل فظاهرها إسلام سني يخدم أطراف تُعادي هذه الطائفة وتتعامل معها من أفق توحيد الأهداف والمصالح..
لنفترض أن بينها وبين إيران عداوات دفعت بأن تجعل من الحشد الشعبي الشيعي العراقي يأخذ مكان الجيش والقوى الأخرى، ويدار من قِبل الحرس الثوري الإيراني ورفض أي تسليح للقبائل أو الأكراد، هل في هذا ما يشير إلى تلاقي العمل الواحد بين إيران و داعش وأن الغاية ضرب السنة بالسنة للوصول إلى سلامة المكون الشيعي؟ وهل هذا الزواج الجديد معرض للطلاق إذا ما تجذرت دولة داعش وأخذت حجمها ليلتف حولها عناصر سنية كبيرة بذريعة قبول عدو يرفع شعاراتهم، على عدو يشردهم ويقتلهم. لكن ماذا عن المستقبل البعيد، هل يبقى تحالف الأضداد قائمًا، وأن ما تخفية سياسة الحليفين ستفضحه القسمة غير السوية، أي أن تتشكل حرب فعلية بين سنة داعش، وشيعة كل من العراق وإيران بغرض كل طائفة تريد تعزيز دورها مع المؤيدين لها، وخاصة أن سنة سوريا قد يجدون فيها المأوى والمخرج في مواجهة كل الأطياف المؤيدة لإيران من حكومات وأحزاب عربية وغيرها ليتبدل المشهد ويقلب الواقع إلى حقائق جديدة تغير في المواقف والأهداف البعيدة؟..
على طرف آخر، كيف سترى تركيا هذا الزحف الجديد، هل تمرر من خلالة مطامعها بسوريا والعراق، وتقبل مواجهة بالنيابة وبواسطتهم فتح جبهات مع إيران ودول عربية أخرى بما فيها داعش ليبيا لتصل إلى حدود مصر التي تختلف معها، ثم ماذا عن إسرائيل التي ترى أن حزب الله والأسد خدما سياستها، كيف ستنظر إلى جوار داعشي يذهب بأفكاره إقامة دولة الخلافة وأنها ناقصة بدون القدس وأراضي فلسطين؟..
اللعبة تكبر وقد يكون لبنان الهدف القادم لداعش، وربما تزيد التعقيدات السياسية والعسكرية لو تعهدت فرنسا حمايته بقوة على الأرض، كيف ستكون الأوضاع ومن سينتصر ويحتفل بهزيمة غريمه؟

“مافيا” الأموال القذرة..

اقتصاديون، وقانونيون، وعلماء شريعة، يتحدثون عن الأموال القذرة أو ما اصطلح عليه بـ”غسيل الأموال” وأن دول الخليج تعج بعمليات كهذه من خلال “مافيا” عالمية لها ركائز اجتماعية تعمل معها، والظاهرة أخذت شكل العولمة في تحايلها وتخفيها..
ما يثير الاهتمام والشكوك أن لدينا انتشارًا هائلًا وغير مسبوق في الصيدليات، ومحلات البخور و “أبو ريالين” والإتجار بالإبل والماعز التي تصل أسعارها لعشرات الملايين، بالنسبة للإبل، وعشرات الآلاف للماعز. ورغم عدم جزمنا بما يحدث داخل وخارج هذه النشاطات إلا أنها كانت ولا زالت تثير الريبة والتساؤل..
نحن سوق مفتوح تكاثر فيه التستر والغش التجاري والممارسات غير الأخلاقية فيمن يتاجرون بالمخدرات، وقطعًا هذه الأموال السوداء خطورتها ليس بالإتجار المحرم فحسب وإنما من أين مصادرها وأين تذهب؟ وهل يتم توجيهها للإرهابيين وغيرهم مما يستلزم رقابة صارمة على تسييل هذه الأموال خاصة في مرحلة متفجرة اختلط فيها القتل المتعمد بالمال الحرام حتى أن النموذج الأفغاني في اعتماد طالبان والقاعدة على أموال زراعة وبيع المخدرات جزء من حصيلة توسع غسل الأموال بطريق وحيل ربما خدعت بعض المسلمين في خلق بيئة اقتصاد خفي..
أعرف أن مراقبة تدفق الأموال السرية أعيت مختلف دول العالم، رغم الرقابة الشديدة والتقنية عالية المتابعة، تمامًا مثل العجز عن مراقبة وكشف الإرهاب والعوالم السرية للجريمة المنظمة، وقد تتابعت حوادث تسرب الأموال سواء بواسطة عملاء تحت الأرض أو على شكل تصدير بضائع وسلع أخرى، وحتى ما تنشره الصحافة أو محطات الفضاء عن تحويل عامل ما ملايين أو مئات الآلاف من الريالات والتحفظ عليها ومراقبتها، قد تكون الاستثناء مما يمرر تحت الطاولات، ومع ذلك فنحن أمام جبهة أخرى تستطيع اختراق الاحترازات والعيون المفتوحة إذا كان من يقوم بتسهيل هذه التجاوزات محترفون، سواء كانوا مواطنين أو وافدين..
أذكر أن شخصًا ما حاول وأنا أهم ركوب الطائرة بالاتجاه لدولة عربية إعطائي مظروفًا لتسليمه لشخص سوف يكون بانتظاري بالمطار، رفضت رغم أنه حاول فتح المظروف وإطلاعي على محتواه، لأنني لا أفهم الغاية من أن أكون ساعي بريد له مع وجود وسائل توصيل سريعة وآمنة. وحذري لم يكن مبنيًا على عدم الثقة وحدها، وإنما التبعات التي لا أعرف كيف تصادفني لو أن الأمر يدخل في عمل سري تراقبه جهة بلد الوصول..
الموضوع كبير وانتشار ما يسمى بالعمليات القذرة أو الاقتصاد الأسود وغيرهما ستستمر طويلًا لأن الحرب تأتي بصدام مع عقول لديها حس المخادعة وتبني أساليبها على مخزون هائل من التجارب والحلقات السرية. وقد مرينا بخدعة جمع التبرعات وإنشاء جمعيات خيرية، اكتشفنا، متأخرين، أن أهدافها تتعدى الإحسان إلى تمويل جماعات إرهابية، أو منظمات سرية تقوم بأدوار خطيرة. وقد تعاد الخدعة بأساليب أخرى من خلال شركات وهمية، أو تمرير حساب أسود بواسطة حساب أبيض، بصفقات تحتضنها دول آسيوية ولاتينية، وحتى بلدان عربية أو حتى محلات تجارية. وعمومًا فأدوات الحرب مع تلك الجماعات لن تحسم بسهولة ولكن يرتفع لدينا حس المراقبة والمتابعة..

“أحرار بأثواب عبيد”

المنادون بأن بكون لإيران تمثيل بارز في الشؤون العربية، العراق، سوريا، لبنان، اليمن، لا أدري على أي أساس يبنون هذه القناعات، هل لأن إيران وجدت فراغًا بعد الربيع وقبله حاولت ملؤه بتحريك بعض القوى الداخلية العربية أو المنتفعين من هذا الاندفاع مثل بعض مسيحيي لبنان، أو القاعدة وداعش، وكيف لنا قبول دولة همَّها الأساسي تخريب المنطقة دون أن تخسر مستخدمة صوتها ودعمها العسكري والإعلامي ليكون العربي وحده المتحرق بنيران الطائفية؟ مثل هذه الأفكار تروج لها روسيا وأمريكا ودول غربية أخرى حتى أن الحوثيين وهم أصغر المذاهب والطوائف باليمن رفضوا تمثيلًا لهم في مؤتمر الرياض مطالبين بإشراك إيران في مؤتمر ترعاه الأمم المتحدة..
لو سلمنا بهذه القياسات، فإسرائيل تحتل أراضي عربية في فلسطين والجولان وشبعا اللبنانية. وتركيا لها مشاكل تاريخية باقتطاع أراض من سوريا. وإيران تحتل جزر إماراتيه، فهل من المسوغ تبعًا لنظرية الشراكة مع إيران إدخال البلدان الإقليمية بجامعتنا العربية أعضاء، وبمؤسستنا واتفاقاتنا، وكيف ندَّعي الاستقلال بشؤوننا وحرياتنا إذا كان من بيننا طوابير تريد من غيرنا أوصياء علينا؟..
على المستويات العالمية، روسيا تحتل جزر يابانية، وبريطانيا جزر أخرى في “الفوكلاند” في جنوب الأطلسي والمحسوبة أراضي أرجنتينية، وغيرها الكثير، فهل كل دولة تحتل مواقع غيرها يجب أن تُمَثَّل في شؤون الدول المحيطة بالأرض المحتلة لها؟..
المرحلة العربية دقيقة وحساسة، ولأننا فقدنا ثقتنا مع بعضنا فخرجت زعامات وأحزاب وطوائف تمثل أدوارًا خارجية فماذا كنا نقول عن الموالين للاستعمار قبل التحرر ومطالبتهم إلحاقهم بها مثل دعوات صدرت في المشرق والمغرب العربيين حتى عرفنا أن الاستعمار خرج من الباب الكبير وعاد لنا من الشبابيك. فعشنا ولاءً مزدوجًا بالهوية والثقافة والتاريخ؟..
في كل أمة وشعب يوجد عملاء وجواسيس يخدمون جهات معادية، لكن ذلك يُعَد من الاستثناءات وليس قابلًا للتعميم. إذ الأكثرية مع الوطن وحمايته وحريته، وفي كل العصور حافظنا على نسيجنا الاجتماعي والتاريخي حتى في مراحل الضعف الكبرى أثناء الخلافة العثمانية، ثم الاستعمار، فكان الشعار العربي والوطني يطغيان على قبول أي تبعية، ووجدنا من يناضل ويدفع بالاستقلال إلى التضحيات الكبرى. حتى تركيا وإيران قاومتا من أجل استقلالهما ورفضتا أي تبعية. فإذا كان هذا سلوك الدول الإقليمية المحيطة بنا، فكيف تكون لدينا القابلية أن نُشركهما في حلول أزمات من صنعهما، وهل تقبل أي من الدولتين أن تخضع لأوامر ونواهي دولة عظمى، ونحن شاهدنا كيف رفضت تركيا العضو بالناتو التدخل باحتلال العراق أو استعمال قواعدها بضربه، ونفس الأمر مع إيران التي على العكس قامت بدور الحليف والمساعد لأمريكا في الحرب على أفغانستان والعراق من أجل مكاسب تنتظر أن تجنيها من خلال اتفاق (٥+١)..
من المستحيل فرض عزلة على أنفسنا فحتى الضرورات تسمح بتحالفات وتوحيد قدرات لكن بدون تلقي أوامر، أو تدخل بشؤوننا طالما هناك من يريد عكس الاتجاه بفرض وصاية علينا..

(أوباما) يسوق لنا الأوهام !!

(نتينياهو) وحده من قفز فوق خشبة البيت الأبيض ليحاور الكونقرس بشرح خطورة إتفاق أمريكي مع إيران, بينما الرئيس أوباما يصّر على تمرير ما نوى عليه٬ إذا كان نتينياهو ودولته أهم حليف بالعالم لأمريكا٬ فماذا ستعمل دول مجلس التعاون الخليجي في إيقاف الإتفاق؟ ..

أوباما لا يرى في صراعات المنطقة إلا مكافحة الإرهاب٬ أما ان تسقط عواصم أو بلدان بيد إيران فليس هذا مهماً. مع أنه أعلن لنا انها الدولة (الداعمة للأرهاب) ثم لا يريد وقف عجلة تمددها٬ فهو لن يخدعنا بهذه الأقوال٬ وقد تمادى بما هو أكبر منها تجاه القضية الفلسطينية أو غيرها٬ لكن هدفه الأساسي من هذه القمة تمرير مشروع إيران لترضاه دول الخليج٬ مما يعني الإستمرار بتوقيع الإتفاق مع إيران ليواجه به خصومه في الكونقرس٬ وبنفس الوقت تمرير صفقه أسلحة او درع صاروخي٬ أو إعطاء ضماناتٍ غير موثقه ومُلزمة لحماية دول الخليج من أي إعتداء وهو ما يجعلنا لا نثق بتاتا بمثل هذا الكلام ..

قبل أن تنتهي القمة وأنا أكتب هذه المقالة وإستنتاجاتها وقبل إعلان البيان الختامي٬ أجد أن أوباما منزعجٌ تماماً من عاصفة الحزم وتقدم المعارضة السورية لخنق الأسد وهو ما يراه تحدياً لأيران ويريدنا من أجل ترضية إيران مد أجل الهدنة باليمن لغرضٍ إنساني٬ ولكنه تلبيةً لمطالب إيرانية حتى تُبقي على قوة الحوثيين وصالح وتجلعه وسيلة ضغط على دول الخليج. وهذه النوايا ليست مخفاة٬ والأمر يتصل بالحالة السورية٬ أي أن الرئيس الأمريكي يرى في الأسد جزءٌ من الحل السياسي٬ ولا يريد للمعارضة أن تكون بالقوة المعادلة للنظام٬ حتى انه تم تأجيل تدريب وتسليح تلك القوة إلتزاماً بما تخفيه الإتفاقات السرية مع طهران والتي تم إخفاءها حتى على أعضاء في الكونقرس الأمريكي ..

إذاً كل ما يتسرب ويقال عن نوايا أمريكية صادقة مع حلفاءها في الخليج العربي يغالبه العشق المتنامي بين إيران وأوباما٬ ولذلك فالتعويل على سندٍ أمريكي كحليف بات من الأمور التي لن تتحق٬ إلا اذا أستشعر الكونقرس والشركات ذات المصالح الكبيرة مع دول مجلس التعاون تأثيرها على مصالح بلدهم٬ فربما يواجه أوباما موقفاً يضعه أمام حقيقة أهدافٍ مضادة لأفكاره٬ وهذا يستدعي أن تطرح الدول الخليجية ذلك بصراحةٍ تامة بأن هناك أسواقٌ مفتوحة لشراء أسلحةٍ متقدمة من مختلف دول العالم٬ ونحن نعرف كيف كان حظر النفط أثنا حرب ٧٣ مضراً وغير كل المعادلات٬ وحتى لو أختلفت الظروف فأن ميزان القوة مع دول الخليج مؤثراً في الداخل الأمريكي وخاصةً القوى الإقتصادية ..

كنت أتمنى من دول الخليج إستعمال أسلوب الدعاية المباشرة التي تسبق قمة الكامب٬ بأن للشركات الأمريكية مصالح كبرى قد تتأثر في حال لم تقدم حكومتها ما تقبل به دول الخليج كسلاح يرفع في وجوه الكثيرين وبضغوطٍ عليها٬ لأن أساليب الترضيات والوعود لم تعد تصلح٬ والواقع العربي مهدد من السياسات الأمريكية قبل غيرها ..

الغريب أنه حين نجد فرنسا تتحدث وتعمل وفق مصالحها وبمواقف واضحة نجد أن إنجلترا الغارقة في سياسة المنطقة ليس لها رأي أو موقف٬ فهل أنابت أمريكا عنها لتلعب فقط من خلف الستار؟ وهذا ما علّمنا بأن الإعتماد على الذات هو طريقنا السوي ..