خازوق الإعلام العربي..

خضع الإعلام العربي، إما لدعم دول ضد أخرى، أو الاستثمار بمؤسسات وأشخاص يقبعون خلف أهداف من يمول ويعطي ويحمي ويساند. فكانت بيروت تملك هامشًا من الحرية، أكبر سوق لاستقطاب الحركات والأشخاص والأفكار حتى أنه إلى جانب ازدهارها الاقتصادي، كانت الوجهة الأساسية للتعبير عن جميع التناقضات والحروب العربية النفسية والعسكرية، أو تجهيز وإعداد الانقلابات وخاصة في المحيط الشامي والعراقي حتى أن تهريب الجواسيس وتحريكهم لم تقتصر على المنطقة فقط، بل كان لبنان جزء من مراكز الحرب الباردة بين السوفييت والأطلسي..
ما تحرمة كل دولة العربية على إعلامها، كانت تقدمه عن طريق صحافة بيروت، وحتى قبرص كانت إذاعة الشرق الأدنى، الموجهة من إذاعة الـ”بي بي سي” هي المسموعة في نشر الأكاذيب والدعايات وبمهنية لم يصل إليها الإعلام العربي في تلك المرحلة..
بعد انحسار نسبي لثورة الإعلام الموجه والمسيس الذي كان قاعدته بيروت ذهبت جماعات تسندها دول وتنظيمات وسفارات خارجية لإنشاء صحف ما سمي بالمهاجرة، ولأن المصادر التي تستطيع إيهام القارئ والسامع من الإذاعات الرسمية، مل تزييف إعلامه الرسمي الداخلي لذلك لجأ لتلك الوسائل لأنها، بنظره، أكثر حرية وصدقًا فجرى تزييف آخر للعقل العربي، حتى أن قناعاتنا ما قبل حرب ١٩٦٧م بأن إسرائيل مجرد قزم يرعاه الغرب وأمريكا لن يستطيع الوقوف ساعات أمام القوة العربية البشرية والعسكرية رافق ذلك شعارات وأشعار وطبول وبطولات وهمية، صدمتنا بعد الحرب بأننا نحن الهلاميون وليست إسرائيل، فكانت الصدمة من أنهيار الجيوش والأقلام والإعلام وكل ما تم حقنه في أدمغة ذلك الجيل، بأن كفر بكل تلك المسلمات وأصبح يفتش عن مخرج لهويته واتجاهه، ودوره المهمش وكيف يحقق ذاته ليس من مصادر من صَنَعَ وتَبَرَّعَ بهزيمته، وإنما بفك الإرتباط مع الأحزاب والتنظيمات وكشفه لعبة الشرق والغرب، وأنه الضحية لزعاماته أولًا، وما أفرغته من قيح في أدمغة الشعب العربي..
بعد هذه الخيبات ونتيجة للبيئة التي حفرها الإعلام اللبناني للخارج العربي والداخل اللبناني، انفجرت الحرب الأهلية عام ١٩٧٥م والتي لم تنته إلا عام ١٩٩٠م مفجرة أول صراع طائفي دموي، لتليه هدنة وشبه انحسار عربي باللإهتمام بالشأن السياسي. غير أن البحث عن هوية، أدخل الإسلام السياسي ليكون البديل، فنشطت الأحزاب التقليدية المتفرعة عن الأخوان المسلمين وتلاها ولاءات جديدة لنمط آخر متطرف بدأ مع التكفير والهجرة ثم طالبان ومواليدها، ليصاحبها هذه المرة إعلام جديد يهندس العقل البشري، فتداخلت المصالح الأجنبية مع الداخلية في العالم الإسلامي لتهيئة حروب أكثر دموية تلبس ثياب الدين..
كان مؤشر الثورة الإيرانية يتصاعد ومعه الحرب العراقية – الإيرانية ثم غزو صدام للكويت، لتدخل المنطقة في صراع علني بدخول أمريكا حربين مع أفغانستان والعراق والأخيرة كانت البارود الذي عم المنطقة لتخلق فراغات فرضت ثورات الربيع، وقطعًا النتائج المشاهدة الآن ثمرة كل تلك الخطط التي فواتيرها لا تزال تُدفع من كل دم عربي وإسلامي..

لمن نتركهم؟!

أثير الكثير من الجدل، والقليل من الحلول في قضية الطلبة الذين يدرسون على حسابهم وهم من تورطوا بوعود أوماني، بعض آبائهم باع ممتلكاته، وآخر رهن كل شيء في سبيل رؤية ابنه أو ابنته رافدًا علميًا وماديًا في قادم الأيام..
إحداهن عملت خدامة في موطن بعثتها مقدرة أن ظروف عائلتها لا تستطيع تحمل ما بقي من أعباء، آخر تكلفت أسرة أمريكية  بسكنه ومعيشته ليدير باقي دخله من أي عمل آخر، وثالث تجرد من جنسيته بعد زواجه من أجنبية ليكمل باقي تعليمه..
هذه شرائح صغيرة من عينات كبيرة تركناهم يواجهون مصيرهم بالخارج، وعلى الخط بدأت المنظمات الإرهابية، وربما الجاسوسية، تبحث عن صيدها الجيد في تجنيد هذه الفئات، إما للتطرف والتجسس، أو المشاركة الفعلية باستهداف كل شيء، مستغلين ظروفهم وواقعهم، أسوة بآخرين عرب ومسلمين شردتهم الحروب وسلطات القمع والفرز الطائفي، أصبحوا أحد أسلحة التطرف بالخارج..
القضية التي تعنينا، كيف نعالج الموقف حتى لا نضيف لداعش وغيرها رصيد جديد في قواتها البشرية، خاصة لو تكفلت بإعانة أولئك الطلبة لتجنيد آخرين من المقيمين أو ذوي الأصول العربية والإسلامية، ليكون العمل أمميًا في تغليب الجانب العقائدي على جنسية أو مبدأ أو انتماء الأشخاص؟
لا أدري عن بقية المقيمين، وكيف تتعامل معهم الملحقيات التعليمية، في حل قضاياهم ومراقبة سلوكهم، والطور الذي يسعون إلى تحقيقه. هل هو التحصيل العلمي؟ أم غلبة الثقافة الدينية الغير معتدلة، والذاهبة إلى الكل في حرقهم بإتون الجحيم؟..
التحرك من وزارة التعليم يجب أن لا يخضع للتقويم العاطفي، فنحن أمام حالة قائمة استندت مطالب أصحابها، بصرف النظر عن جدوى التخصصات وملاءمتها للاحتياجات الداخلية، فهؤلاء موجودون ويكابدون مصاعب معروفة لا تحتاج لشرح. ومسؤولية الوزارة ليس قطع تذاكر العودة متذرعة بأسبابها، وإنما كيف نقف على حل يراعي الأسباب الأخطر أمنيًا وسياسيًا، خاصة أن هؤلاء بطموحاتهم مهما تفاوتت النسب، فإن قابليات التغيير في حياتهم وسلوكهم مسألة تحددها الحاجة أولًا لا طهارة المعتقد أو التربية الوطنية التي نشهد ضعفها، ومن هنا لا أدري ما تفكر به الوزارة، وما إذا كانت أقامت دراسات لهذه الأوضاع وعملت مسحًا للدارسين في الخارج وتحاورت معهم حتى تجعل العلاقة غير منقطعة، أم أن العادة ترك الأمور تعالج نفسها، وهنا تبرز سلبيات هذا الإهمال، إذا ما وجدنا من يدفع الدارسين لحلبة الدواعش، وهذا ليس اختزالًا لموقف، أو التخويف منه، ولكن  لكل سبب نتيجة، وعملية أن ندرك المخاطر ونعالجها أفضل من أسف لاحق لا يزن الأمور وفق تطوراتها وتداعياتها..