الإطار والمعنى في زيارة الملك سلمان لأمريكا..

لا يجوز المبالغة في التفاؤل والتشاؤم في العلاقات الدولية، إذ كل طرف يبني استراتيجيته وعقيدته على العائد من المكاسب والخسائر، ومن هذا المنطق يمكن قياس زيارة خادم الحرمين الشرفين الملك سلمان لأمريكا وفق هذه الرؤى والمصالح بين البلدين، ومع أن الخيارات مع الدول العظمى تضيق إلا أن هامش المناورة يحضر وخاصة في منطقتنا المضطربة. ولذلك فأمريكا تدرك أنه خارج الدول الإقليمية الثلاث، تركيا، وإسرائيل، وإيران، لا يوجد من ينافس المملكة في مركز الثقل السياسي والاقتصادي ولاحقًا العسكري..
الجانب الاقتصادي عولج من قِبل الاختصاصيين وتبقى المسألة السياسية ذات الجدلية الساخنة مَدعاة للتأويلات بسبب التباينات في مواقف البلدين، وعلى سبيل المثال فقد تتقارب الآراء بين روسيا وأمريكا حول سوريا أكثر من تقارب المملكة مع أمريكا وحتى بوجود تطابق في مكافحة الإرهاب، فإن الحل السياسي من قبل أمريكا تؤيده أكثر من دعم عسكري لبعض الفصائل بينما وجهة نظر المملكة بأنه لا يتم أي حوار مع النظام إلا بتعادل القوة بين الطرفين السوريين، أما الغموض حول الاتفاق مع إيران فهو مثار للشك حتى من بين أعضاء الكونجرس وإسرائيل أو الداخل الإيراني ومع ذلك هناك محاولات تطمين من أمريكا في حماية أمن الخليج العربي، وقد ظلت الخطوط في الحوار السعودي – الأمريكي شبه متوقفة لدرجة أن الزيارات المتبادلة بين المملكة وكل من فرنسا وروسيا، ربما تركت عند الطرف الأمريكي بعض التساؤل في فقدان حلفاء سياسيين في منطقة الخليج لكن يبدو أن التحضير الجيد لزيارة خادم الحرمين الشريفين لأمريكا، وخاصة أن معظم من يديرون أجهزة الدولة ومستشاريها ورجال أعمالها، معظمهم من درس في أمريكا وتبادل معها مصالح اقتصادية وحتى مع القول إن التوقيت جاء غير متطابق مع الأحداث لأن الرئيس أوباما في شهوره الأخيرة في تركه للبيت الأبيض لا يغير من السياسات و إلا لقلنا إن الاتفاق النووي مع إيران عرضة للتغير أيضا فهي دولة مؤسسات دور الرئيس فيها ليس كما نتصور أنه صاحب السلطة العليا في القرار، وإسرائيل نموذجًا لتوافق الرؤساء حولها…
بلا شك، أن الملك سلمان تجاوز بزيارته ونتائجها تلك الروتينية التي يخرج لها البيان المشترك، بل إن الرسائل التي أوصلتها المملكة برفضها عضوية مجلس الأمن ثم عدم حضور الملك سلمان قمة (كامب ديفيد) أطَّرت عملًا جديدًا لمرحلة أخرى لا تحتمل المجاملات. وحتى عاصفة الحزم التي أيدتها أمريكا، جاءت كرد على أن المملكة ليست لاعبًا اقتصاديًا ومعزولة عن محيطها و أمنها. وبالتالي أعطت هذه المواقف دورًا آخر لعمل مشترك دافعه أن المملكة لم تذهب لأمريكا لاستجداء مواقف أو معونات مادية، أو بيع ذاتها لترضية الحليف الأكبر، وإنما فتح العيون على رؤية واضحة عن الخاسر والكاسب من أي توتر في علاقاتهما. وهنا جاءت الاتفاقات موضوعية سواء على الصعيد الداخلي أو العربي، وخاصة بند مكافحة الإرهاب الذي أصبح هاجسًا عالميًا. وعمومًا فمثلما توجد تباينات وجدت تجاهها مواقف شجاعة لاتفاقات أكثر جدوى ومنفعة للبلدين…