“مافيا” الأموال القذرة..

اقتصاديون، وقانونيون، وعلماء شريعة، يتحدثون عن الأموال القذرة أو ما اصطلح عليه بـ”غسيل الأموال” وأن دول الخليج تعج بعمليات كهذه من خلال “مافيا” عالمية لها ركائز اجتماعية تعمل معها، والظاهرة أخذت شكل العولمة في تحايلها وتخفيها..
ما يثير الاهتمام والشكوك أن لدينا انتشارًا هائلًا وغير مسبوق في الصيدليات، ومحلات البخور و “أبو ريالين” والإتجار بالإبل والماعز التي تصل أسعارها لعشرات الملايين، بالنسبة للإبل، وعشرات الآلاف للماعز. ورغم عدم جزمنا بما يحدث داخل وخارج هذه النشاطات إلا أنها كانت ولا زالت تثير الريبة والتساؤل..
نحن سوق مفتوح تكاثر فيه التستر والغش التجاري والممارسات غير الأخلاقية فيمن يتاجرون بالمخدرات، وقطعًا هذه الأموال السوداء خطورتها ليس بالإتجار المحرم فحسب وإنما من أين مصادرها وأين تذهب؟ وهل يتم توجيهها للإرهابيين وغيرهم مما يستلزم رقابة صارمة على تسييل هذه الأموال خاصة في مرحلة متفجرة اختلط فيها القتل المتعمد بالمال الحرام حتى أن النموذج الأفغاني في اعتماد طالبان والقاعدة على أموال زراعة وبيع المخدرات جزء من حصيلة توسع غسل الأموال بطريق وحيل ربما خدعت بعض المسلمين في خلق بيئة اقتصاد خفي..
أعرف أن مراقبة تدفق الأموال السرية أعيت مختلف دول العالم، رغم الرقابة الشديدة والتقنية عالية المتابعة، تمامًا مثل العجز عن مراقبة وكشف الإرهاب والعوالم السرية للجريمة المنظمة، وقد تتابعت حوادث تسرب الأموال سواء بواسطة عملاء تحت الأرض أو على شكل تصدير بضائع وسلع أخرى، وحتى ما تنشره الصحافة أو محطات الفضاء عن تحويل عامل ما ملايين أو مئات الآلاف من الريالات والتحفظ عليها ومراقبتها، قد تكون الاستثناء مما يمرر تحت الطاولات، ومع ذلك فنحن أمام جبهة أخرى تستطيع اختراق الاحترازات والعيون المفتوحة إذا كان من يقوم بتسهيل هذه التجاوزات محترفون، سواء كانوا مواطنين أو وافدين..
أذكر أن شخصًا ما حاول وأنا أهم ركوب الطائرة بالاتجاه لدولة عربية إعطائي مظروفًا لتسليمه لشخص سوف يكون بانتظاري بالمطار، رفضت رغم أنه حاول فتح المظروف وإطلاعي على محتواه، لأنني لا أفهم الغاية من أن أكون ساعي بريد له مع وجود وسائل توصيل سريعة وآمنة. وحذري لم يكن مبنيًا على عدم الثقة وحدها، وإنما التبعات التي لا أعرف كيف تصادفني لو أن الأمر يدخل في عمل سري تراقبه جهة بلد الوصول..
الموضوع كبير وانتشار ما يسمى بالعمليات القذرة أو الاقتصاد الأسود وغيرهما ستستمر طويلًا لأن الحرب تأتي بصدام مع عقول لديها حس المخادعة وتبني أساليبها على مخزون هائل من التجارب والحلقات السرية. وقد مرينا بخدعة جمع التبرعات وإنشاء جمعيات خيرية، اكتشفنا، متأخرين، أن أهدافها تتعدى الإحسان إلى تمويل جماعات إرهابية، أو منظمات سرية تقوم بأدوار خطيرة. وقد تعاد الخدعة بأساليب أخرى من خلال شركات وهمية، أو تمرير حساب أسود بواسطة حساب أبيض، بصفقات تحتضنها دول آسيوية ولاتينية، وحتى بلدان عربية أو حتى محلات تجارية. وعمومًا فأدوات الحرب مع تلك الجماعات لن تحسم بسهولة ولكن يرتفع لدينا حس المراقبة والمتابعة..

“أحرار بأثواب عبيد”

المنادون بأن بكون لإيران تمثيل بارز في الشؤون العربية، العراق، سوريا، لبنان، اليمن، لا أدري على أي أساس يبنون هذه القناعات، هل لأن إيران وجدت فراغًا بعد الربيع وقبله حاولت ملؤه بتحريك بعض القوى الداخلية العربية أو المنتفعين من هذا الاندفاع مثل بعض مسيحيي لبنان، أو القاعدة وداعش، وكيف لنا قبول دولة همَّها الأساسي تخريب المنطقة دون أن تخسر مستخدمة صوتها ودعمها العسكري والإعلامي ليكون العربي وحده المتحرق بنيران الطائفية؟ مثل هذه الأفكار تروج لها روسيا وأمريكا ودول غربية أخرى حتى أن الحوثيين وهم أصغر المذاهب والطوائف باليمن رفضوا تمثيلًا لهم في مؤتمر الرياض مطالبين بإشراك إيران في مؤتمر ترعاه الأمم المتحدة..
لو سلمنا بهذه القياسات، فإسرائيل تحتل أراضي عربية في فلسطين والجولان وشبعا اللبنانية. وتركيا لها مشاكل تاريخية باقتطاع أراض من سوريا. وإيران تحتل جزر إماراتيه، فهل من المسوغ تبعًا لنظرية الشراكة مع إيران إدخال البلدان الإقليمية بجامعتنا العربية أعضاء، وبمؤسستنا واتفاقاتنا، وكيف ندَّعي الاستقلال بشؤوننا وحرياتنا إذا كان من بيننا طوابير تريد من غيرنا أوصياء علينا؟..
على المستويات العالمية، روسيا تحتل جزر يابانية، وبريطانيا جزر أخرى في “الفوكلاند” في جنوب الأطلسي والمحسوبة أراضي أرجنتينية، وغيرها الكثير، فهل كل دولة تحتل مواقع غيرها يجب أن تُمَثَّل في شؤون الدول المحيطة بالأرض المحتلة لها؟..
المرحلة العربية دقيقة وحساسة، ولأننا فقدنا ثقتنا مع بعضنا فخرجت زعامات وأحزاب وطوائف تمثل أدوارًا خارجية فماذا كنا نقول عن الموالين للاستعمار قبل التحرر ومطالبتهم إلحاقهم بها مثل دعوات صدرت في المشرق والمغرب العربيين حتى عرفنا أن الاستعمار خرج من الباب الكبير وعاد لنا من الشبابيك. فعشنا ولاءً مزدوجًا بالهوية والثقافة والتاريخ؟..
في كل أمة وشعب يوجد عملاء وجواسيس يخدمون جهات معادية، لكن ذلك يُعَد من الاستثناءات وليس قابلًا للتعميم. إذ الأكثرية مع الوطن وحمايته وحريته، وفي كل العصور حافظنا على نسيجنا الاجتماعي والتاريخي حتى في مراحل الضعف الكبرى أثناء الخلافة العثمانية، ثم الاستعمار، فكان الشعار العربي والوطني يطغيان على قبول أي تبعية، ووجدنا من يناضل ويدفع بالاستقلال إلى التضحيات الكبرى. حتى تركيا وإيران قاومتا من أجل استقلالهما ورفضتا أي تبعية. فإذا كان هذا سلوك الدول الإقليمية المحيطة بنا، فكيف تكون لدينا القابلية أن نُشركهما في حلول أزمات من صنعهما، وهل تقبل أي من الدولتين أن تخضع لأوامر ونواهي دولة عظمى، ونحن شاهدنا كيف رفضت تركيا العضو بالناتو التدخل باحتلال العراق أو استعمال قواعدها بضربه، ونفس الأمر مع إيران التي على العكس قامت بدور الحليف والمساعد لأمريكا في الحرب على أفغانستان والعراق من أجل مكاسب تنتظر أن تجنيها من خلال اتفاق (٥+١)..
من المستحيل فرض عزلة على أنفسنا فحتى الضرورات تسمح بتحالفات وتوحيد قدرات لكن بدون تلقي أوامر، أو تدخل بشؤوننا طالما هناك من يريد عكس الاتجاه بفرض وصاية علينا..

(أوباما) يسوق لنا الأوهام !!

(نتينياهو) وحده من قفز فوق خشبة البيت الأبيض ليحاور الكونقرس بشرح خطورة إتفاق أمريكي مع إيران, بينما الرئيس أوباما يصّر على تمرير ما نوى عليه٬ إذا كان نتينياهو ودولته أهم حليف بالعالم لأمريكا٬ فماذا ستعمل دول مجلس التعاون الخليجي في إيقاف الإتفاق؟ ..

أوباما لا يرى في صراعات المنطقة إلا مكافحة الإرهاب٬ أما ان تسقط عواصم أو بلدان بيد إيران فليس هذا مهماً. مع أنه أعلن لنا انها الدولة (الداعمة للأرهاب) ثم لا يريد وقف عجلة تمددها٬ فهو لن يخدعنا بهذه الأقوال٬ وقد تمادى بما هو أكبر منها تجاه القضية الفلسطينية أو غيرها٬ لكن هدفه الأساسي من هذه القمة تمرير مشروع إيران لترضاه دول الخليج٬ مما يعني الإستمرار بتوقيع الإتفاق مع إيران ليواجه به خصومه في الكونقرس٬ وبنفس الوقت تمرير صفقه أسلحة او درع صاروخي٬ أو إعطاء ضماناتٍ غير موثقه ومُلزمة لحماية دول الخليج من أي إعتداء وهو ما يجعلنا لا نثق بتاتا بمثل هذا الكلام ..

قبل أن تنتهي القمة وأنا أكتب هذه المقالة وإستنتاجاتها وقبل إعلان البيان الختامي٬ أجد أن أوباما منزعجٌ تماماً من عاصفة الحزم وتقدم المعارضة السورية لخنق الأسد وهو ما يراه تحدياً لأيران ويريدنا من أجل ترضية إيران مد أجل الهدنة باليمن لغرضٍ إنساني٬ ولكنه تلبيةً لمطالب إيرانية حتى تُبقي على قوة الحوثيين وصالح وتجلعه وسيلة ضغط على دول الخليج. وهذه النوايا ليست مخفاة٬ والأمر يتصل بالحالة السورية٬ أي أن الرئيس الأمريكي يرى في الأسد جزءٌ من الحل السياسي٬ ولا يريد للمعارضة أن تكون بالقوة المعادلة للنظام٬ حتى انه تم تأجيل تدريب وتسليح تلك القوة إلتزاماً بما تخفيه الإتفاقات السرية مع طهران والتي تم إخفاءها حتى على أعضاء في الكونقرس الأمريكي ..

إذاً كل ما يتسرب ويقال عن نوايا أمريكية صادقة مع حلفاءها في الخليج العربي يغالبه العشق المتنامي بين إيران وأوباما٬ ولذلك فالتعويل على سندٍ أمريكي كحليف بات من الأمور التي لن تتحق٬ إلا اذا أستشعر الكونقرس والشركات ذات المصالح الكبيرة مع دول مجلس التعاون تأثيرها على مصالح بلدهم٬ فربما يواجه أوباما موقفاً يضعه أمام حقيقة أهدافٍ مضادة لأفكاره٬ وهذا يستدعي أن تطرح الدول الخليجية ذلك بصراحةٍ تامة بأن هناك أسواقٌ مفتوحة لشراء أسلحةٍ متقدمة من مختلف دول العالم٬ ونحن نعرف كيف كان حظر النفط أثنا حرب ٧٣ مضراً وغير كل المعادلات٬ وحتى لو أختلفت الظروف فأن ميزان القوة مع دول الخليج مؤثراً في الداخل الأمريكي وخاصةً القوى الإقتصادية ..

كنت أتمنى من دول الخليج إستعمال أسلوب الدعاية المباشرة التي تسبق قمة الكامب٬ بأن للشركات الأمريكية مصالح كبرى قد تتأثر في حال لم تقدم حكومتها ما تقبل به دول الخليج كسلاح يرفع في وجوه الكثيرين وبضغوطٍ عليها٬ لأن أساليب الترضيات والوعود لم تعد تصلح٬ والواقع العربي مهدد من السياسات الأمريكية قبل غيرها ..

الغريب أنه حين نجد فرنسا تتحدث وتعمل وفق مصالحها وبمواقف واضحة نجد أن إنجلترا الغارقة في سياسة المنطقة ليس لها رأي أو موقف٬ فهل أنابت أمريكا عنها لتلعب فقط من خلف الستار؟ وهذا ما علّمنا بأن الإعتماد على الذات هو طريقنا السوي ..

“اجتمع العرب على أن لا يجتمعوا”

للخروج من الحلقات الضيقة للأزمات العربية المستمرة، تأتي دعوات لحوارات سياسية تجمع الفرقاء. وهي الصيغة المتعارف عليها بأي نزاع بين قوى عظمى أو صغرى، أو حروب أهلية بين فصائل متناحرة، عرقية، أو دينية أو قومية. والسائد في منطقتنا العربية أن ربيعها جاء بكوارث غيَّر المعادلات وطبع تلك البلدان بحالات انشقاق للثوب الوطني بأجمله مما هدد الوحدة الوطنية برمتها..
فالعراق سلمته أمريكا لإيران هدية مجانية، ولذلك فشلت جميع المسارات توحيده على أساس وطني ليأتي البديل التقسم الحقيقي وبقرار أمريكي. لأن الدولة شبه الفاشلة لم تعد تملك إدارة البلد، ولا قمع المليشيات الشيعية التي أرادت وبإصرار تام إفراغ العراق من مكوناته العربية السنية أولاً ثم بقية الأعراق والقوميات. ويبقي الأقاليم الكردي يعلن دولته بشكل مفتوح، وهذا التقسيم سيترتب عليه تنازع طويل قد يدخل قوى أخرى تتحرك داخل ساحته..
سوريا الدولة والمعارضة انتقلتا لعدة عواصم ومدن لبحث تسويات مُرضية وقد تم اتفاق على بنود جنيف (٢) لكن النقض جاء من النظام مُعززًا بقوة إيران وروسيا. وحتى مثل هذا الاتفاق، إذا لم ينشأ في ظله تعادل القوة مع جيش الأسد فالحرب ستطول. غير أن مؤشرات الأيام الماضية التي جعلت الأسد يخسر الكثير من مواقفه وأن كُلًا من إيران التي استنزفت في المتاهة السورية، وباتت كلفة حماية النظام فوق طاقاتها، و روسيا أيضًا فقدت حماسها الاستمرار باللعبة، وهي ترى أن الأسد خسر حتى قيادات جيشه وأنصار طائفته الذين وجدوا أن الحرب ستجعلهم الضحية في حال تغيرت الظروف على الأرض..
اليمن يختلف عن سوريا فهناك تعقيدات جغرافية وقبلية فقد كانت مع جميع الحكومات شبه مستقلة وتدير شؤونها القبائل بعيدًا عن السلطة، وبمصالحات وتحالفات قبلية، وهو ما سهل أن يدوم حكم علي صالح بتلك العقود، وهناك في كل بيت عدة قطع من الأسلحة كتقليد عام، ولعل الحالة الراهنة بعد (عاصفة الحزم) أن تداخلت كل القوى ضد بعضها، لتحول الحوثيين مع صالح القوة المركزية التي اجتاحت كل اليمن، وبهذا التدخل بدأت تتراخى قوتهما، لكن لا تزال الأمور لم تحسم، وبالتأكيد أن قطع الإمدادات العسكرية وإحكام الحصار وضعف الموارد المالية التي تتطلبها انتشار هذه القوة واستمرارها، بدأت تشعر بخطورة أول الأزمات من الوقود الذي يحرك هذه الآلة، ولذلك فمن الصعب جمع الفرقاء إلا بإحداث تغييرات على مستوى القوة يجبر الطرفين صالح والحوثيين الوصول إلى قناعة بأن الحل بأتي بالتفاوض لا بقوة السلاح..
لماذا تفشل تلك المفاوضات بوجود حلول وتنازلات؟ يبدو أن الأنا الذاتي للأفراد والجماعات عائق أساسي حيث كل طرف ينظر لمصالحه ومصالح حلفاءه وهذا ما أعاق الحلول السياسية، ولعل نجاح اتفاق الطائف بين اللبنانيين، قد لا يصلح استنساخه لأن الجميع في تلك الفترة شعر بعجزه التفرد بسلطة البلد، وهنا كان التوازن بالقوة السبب الأساسي في الوصول إلى اتفاق، وتبقى الدول العربية الأخرى في مرحلة العجز التام عن حسم أمورها سلميًا..

( الديجولية ) تتجدد في فرنسا ..

في دبلوماسية واقعية معلنة مسبقًا، ومبادرة هي الأولى من نوعها، حضر الرئيس الفرنسي “فرنسوا هولاند” في الرياض للمشاركة في القمة الخليجية التشاورية. البعض نظر إليها بأنها خطاب موجهة لأمريكا لأن تراخيها يمكن ملؤه بقوة لديها مؤهلات الحلول بديلا عنها. وآخر وضعها في ميزان حسابات أخرى، حيث هي التي أصبحت المزود لدول الخليج العربي، ودول المنطقة مصر ولبنان ودول المغرب العربي بالأسلحة المتقدمة. والمعنى من ذلك كله أن هذا الحضور أثار شجون أمريكا وإيران..
الأولى تدرك أن سياسة التلاعب بالكلمات والوعود غير الواضحة سبب مباشر لحوار قادم في قمة “كامب ديفيد”. سيكون مواجهة صريحة قد وضع لها سلم وأولويات في الشروط التي تجعل هذه البلدان تقوم على ترتيب سياسات جديدة، خاصة وأن الرياض لم تعد بنفس الصورة التي صورها كثير من السياسيين الأمريكيين بأنها دولة مسنين لا يرغبون إثارة القضايا الحساسة أو الدخول في صراعات حادة، غير أن الدلال لإيران ووضعها في مركز القوة لتتلاعب بدول المنطقة أجبر الملك سلمان اتخاذ خطوة عاصفة الحزم. وهي التي وضعت أكثر من خصم وصديق في حالة عدم توازن، وبالذات إيران التي أدركت أن الموقف العربي التي تراه تركه لرجل مريض. هناك من لديه القراءة المعاكسة لرسم إستراتيجيات وسياسات أخرى تعيد للعرب قوتهم وحجم قوتهم..
فرنسا أيضا، ومن منطق التحليل السياسي والأمني، وجدت أن التبعية المطلقة لأمريكا حجمت أدوارها وكذلك بريطانيا. أما ألمانيا فهي لا تزال تعيش صدمة الحرب العالمية الثانية للخشية من أي خطوة تتجاوز الإقتصاد. ومع ذلك فلا نستطيع المبالغة بالدور الفرنسي ليكون بديل عن أمريكا ولا التهوين منه..
فالسعودية قدمت منحة ثلاثة مليارات من الريالات لتسليح جيش لبنان، وهو ما رأته إيران موازنة عسكرية قد تهدد قوة حزب الله، وأن الأسلحة الفرنسية وصلت إلى فصائل المعارضة السورية التي بدأت تأخذ زمام المبادرة بخنق الأسد في محيط ضيق قد يؤدي للقضاء عليه. ومثلما أصبحت الدول المصدرة للسلاح تدخل المعادلة العسكرية والسياسية في المنطقة مثل روسيا المزودة لإيران وسوريا ثم لاحقًا لمصر، فالغرب خاصة أمريكا بدأت تنظر لهذا السلوك أنه لا يحقق النتائج التي تطلبها وأن غرقها في المنطقة مثلما فعل الاتحاد السوفيتي ثم روسيا باتت تصرفات خاطئة معللة أن نمو الإرهاب وتناميه جاء من هذه النتائج، ولذلك أعطت إيران دور الحليف في مكافحته وهي معادلة سقطت في العراق وسوريا وقبلهما أفغانستان..
غير أن ما غير المعادلات جاءت من اليمن وهي ما أعطت المملكة دور قياديًا رأه محللون من العالم أنه ليس تغيرًا في القوة وإنما بعثًا جديدًا للامة العربية وقد كان قَدَر المملكة أن تكون صاحبة الالتزامات الكبيرة في إنقاذ أمتها لعودة إلى التضامن العربي المبني على قدرات مادية وعسكرية ونظرة سياسية عميقة بالداخل والخارج وفق المتغيرات للمنطقة والعالم. ولذلك فحتى أمريكا وبالتأكيد من ضغط شركاتها التي لها مصالح كبيرة في منطقة الخليج لا تستطيع قبول سياسة تحرمها من هذه الامتيازات خاصة وأننا نعرف أن الدولة الأمريكية بكل مؤسساتها الرسمية خاضعة لأصحاب رؤوس الأموال الذين يتحكمون في مسار سياساتها. وبالتالي قد نرى تبدلا في نهج أوباما تجاه المنطقة بضغط ذلك (اللوبي) الكبير والمؤثر على كل العمليات الأمريكية

اليقين الزائف (زمن الفوضى الخلَّاقة)!!

يوم ١٤٣٦/٧/٢٤هـ الموافق ٢٠١٥/٥/١٣م ستكون عدة ملفات ساخنة في قمة (كامب ديفيد) بين الرئيس الأمريكي (أوباما) وزعماء دول مجلس التعاون الخليجي. يأتي أهمها الاتفاق الذي جرى بين (٥ + ١) مع إيران حول سلاحها النووي، وعاصفة الحزم، وتدخلات إيران في العديد من الدول العربية لمد نفوذ امبراطوريتها الفارسية..
عمليات التطمين من ردع أي اعتداء إيراني على دول الخليج ليس بالضرورة يؤكد مثل هذا اليقين حتى لو قيل أن الضربات المتوالية على الحوثيين حلفاء إيران قد غيرت من موازين القوة فالموضوع أكبر من هذا الفهم. والدليل أن أمريكا غضت الطرف عن كل ما تفعله إيران. مدَّعية أن المنطقة هي من تسوي نزاعاتها وتحمي نفسها وأهم ما فهمناه أن أمريكا لم تعد تحتاج للنفط العربي بوجود إنتاجها. وما تستطع عقده من صفقات مع إيران ومن بينها النفط. والزعم الآخر أن مهمتها الراهنة مكافحة الإرهاب لحماية أمنها وهنا النقطة التي يجب الوقوف عليها..
هل إيران بعيدة عن تغذية وإيواء قيادات الإرهابيين بدءًا من أفغانستان وحتى ليبيا مرورًا بالعراق وسوريا واليمن؟ وهل يخفى ذلك على أمريكا ذات العيون المفتوحة على كل نملة تتحرك على الأرض العربية وإيران؟ وهل مكافحة الإرهاب في ظل دول فاشلة ساهمت أمريكا بخروجها من الشرعية بسبب الثورات للربيع العربي سوف تعود بقانون (الفوضى الخلاقة)، أم أن ترتيبات تسعى لها مع الحلفاء ستكون خطة الأمر الواقع؟..
أمريكا تبقى صديق مرهوب كمتلاعب في مصير الأمم والشعوب تبعًا لمصالحها والتي تتغير حسب الرياح السائدة على أجواء الكرة الأرضية كلها. ولذلك علينا أن نتذكر أنها تخلت عن دول وزعامات وجدت أن توقيت وجودهم ومصلحتهم معها انتهت. ومن العقل أن لا نخسر أمريكا ولا نبايعها حليفًا غير مؤتمن بالاعتماد على الذات وتنويع مصادر القوة بما فيها القيام لمشروع خليجي لتصنيع الأسلحة وغيرها. فنحن على خط النار طالما أن إيران هي من تسعى لوضعنا في قفصها وتحت سلطتها ..
الجانب المهم أن لا تتظاهر دول الخليج العربي بالضعف لأننا اعتدنا أن أمريكا تُقدر من يحترم نفسه إذا استخدم مصادر قوته كأسلحة مدخرة سياسيًا أو اقتصاديًا أو أمنيًا، ثم إذا كانت تريد تثبيت سياسة ما بمنطق توافق المصالح أن لا تستخدمنا في تمرير أهداف أخرى..
فنظرتنا لأمننا الخاص والقومي في كل الوطن العربي قد لا يتطابق مع الرغبة والتطلعات الأمريكية. فعلى أولوياتها تأمين سلامة إسرائيل، وما عداها على طاولة اللعبة، وهنا الإشكال، وعلى من يعتقدون أن سياسة أمريكا تتغير بتغير زعاماتها وانتقال السلطة من حزب لآخر أن يدركون أن هناك في عقيدتهم ثوابت ومتغيرات. والعاقل من يحلل تلك الوجوه ويفهمها على حقيقتها واستنتاجاتها، لا تبنى على قراءات خاطئة. والنموذج الإسرائيلي المتغلغل في صلب كل ما يتحرك في أمريكا، لا نقول إننا قادرين على محاكاته لاختلاف المسببات والظروف ومصادر القوة، لكن يمكن العمل من خلال العديد من الأبواب المفتوحة. وهذه تحتاج لإدارة واعية تستخدم العقل لا العاطفة. خاصة وأن زمن جمع المعلومات وتحليلها من مصادرها في متناول الجميع، وحتى القدرات البشرية موجودة لدينا كمصدر نعتمد عليه في فهم طبيعة أي سياسة.