“اجتمع العرب على أن لا يجتمعوا”

للخروج من الحلقات الضيقة للأزمات العربية المستمرة، تأتي دعوات لحوارات سياسية تجمع الفرقاء. وهي الصيغة المتعارف عليها بأي نزاع بين قوى عظمى أو صغرى، أو حروب أهلية بين فصائل متناحرة، عرقية، أو دينية أو قومية. والسائد في منطقتنا العربية أن ربيعها جاء بكوارث غيَّر المعادلات وطبع تلك البلدان بحالات انشقاق للثوب الوطني بأجمله مما هدد الوحدة الوطنية برمتها..
فالعراق سلمته أمريكا لإيران هدية مجانية، ولذلك فشلت جميع المسارات توحيده على أساس وطني ليأتي البديل التقسم الحقيقي وبقرار أمريكي. لأن الدولة شبه الفاشلة لم تعد تملك إدارة البلد، ولا قمع المليشيات الشيعية التي أرادت وبإصرار تام إفراغ العراق من مكوناته العربية السنية أولاً ثم بقية الأعراق والقوميات. ويبقي الأقاليم الكردي يعلن دولته بشكل مفتوح، وهذا التقسيم سيترتب عليه تنازع طويل قد يدخل قوى أخرى تتحرك داخل ساحته..
سوريا الدولة والمعارضة انتقلتا لعدة عواصم ومدن لبحث تسويات مُرضية وقد تم اتفاق على بنود جنيف (٢) لكن النقض جاء من النظام مُعززًا بقوة إيران وروسيا. وحتى مثل هذا الاتفاق، إذا لم ينشأ في ظله تعادل القوة مع جيش الأسد فالحرب ستطول. غير أن مؤشرات الأيام الماضية التي جعلت الأسد يخسر الكثير من مواقفه وأن كُلًا من إيران التي استنزفت في المتاهة السورية، وباتت كلفة حماية النظام فوق طاقاتها، و روسيا أيضًا فقدت حماسها الاستمرار باللعبة، وهي ترى أن الأسد خسر حتى قيادات جيشه وأنصار طائفته الذين وجدوا أن الحرب ستجعلهم الضحية في حال تغيرت الظروف على الأرض..
اليمن يختلف عن سوريا فهناك تعقيدات جغرافية وقبلية فقد كانت مع جميع الحكومات شبه مستقلة وتدير شؤونها القبائل بعيدًا عن السلطة، وبمصالحات وتحالفات قبلية، وهو ما سهل أن يدوم حكم علي صالح بتلك العقود، وهناك في كل بيت عدة قطع من الأسلحة كتقليد عام، ولعل الحالة الراهنة بعد (عاصفة الحزم) أن تداخلت كل القوى ضد بعضها، لتحول الحوثيين مع صالح القوة المركزية التي اجتاحت كل اليمن، وبهذا التدخل بدأت تتراخى قوتهما، لكن لا تزال الأمور لم تحسم، وبالتأكيد أن قطع الإمدادات العسكرية وإحكام الحصار وضعف الموارد المالية التي تتطلبها انتشار هذه القوة واستمرارها، بدأت تشعر بخطورة أول الأزمات من الوقود الذي يحرك هذه الآلة، ولذلك فمن الصعب جمع الفرقاء إلا بإحداث تغييرات على مستوى القوة يجبر الطرفين صالح والحوثيين الوصول إلى قناعة بأن الحل بأتي بالتفاوض لا بقوة السلاح..
لماذا تفشل تلك المفاوضات بوجود حلول وتنازلات؟ يبدو أن الأنا الذاتي للأفراد والجماعات عائق أساسي حيث كل طرف ينظر لمصالحه ومصالح حلفاءه وهذا ما أعاق الحلول السياسية، ولعل نجاح اتفاق الطائف بين اللبنانيين، قد لا يصلح استنساخه لأن الجميع في تلك الفترة شعر بعجزه التفرد بسلطة البلد، وهنا كان التوازن بالقوة السبب الأساسي في الوصول إلى اتفاق، وتبقى الدول العربية الأخرى في مرحلة العجز التام عن حسم أمورها سلميًا..