“أحرار بأثواب عبيد”

المنادون بأن بكون لإيران تمثيل بارز في الشؤون العربية، العراق، سوريا، لبنان، اليمن، لا أدري على أي أساس يبنون هذه القناعات، هل لأن إيران وجدت فراغًا بعد الربيع وقبله حاولت ملؤه بتحريك بعض القوى الداخلية العربية أو المنتفعين من هذا الاندفاع مثل بعض مسيحيي لبنان، أو القاعدة وداعش، وكيف لنا قبول دولة همَّها الأساسي تخريب المنطقة دون أن تخسر مستخدمة صوتها ودعمها العسكري والإعلامي ليكون العربي وحده المتحرق بنيران الطائفية؟ مثل هذه الأفكار تروج لها روسيا وأمريكا ودول غربية أخرى حتى أن الحوثيين وهم أصغر المذاهب والطوائف باليمن رفضوا تمثيلًا لهم في مؤتمر الرياض مطالبين بإشراك إيران في مؤتمر ترعاه الأمم المتحدة..
لو سلمنا بهذه القياسات، فإسرائيل تحتل أراضي عربية في فلسطين والجولان وشبعا اللبنانية. وتركيا لها مشاكل تاريخية باقتطاع أراض من سوريا. وإيران تحتل جزر إماراتيه، فهل من المسوغ تبعًا لنظرية الشراكة مع إيران إدخال البلدان الإقليمية بجامعتنا العربية أعضاء، وبمؤسستنا واتفاقاتنا، وكيف ندَّعي الاستقلال بشؤوننا وحرياتنا إذا كان من بيننا طوابير تريد من غيرنا أوصياء علينا؟..
على المستويات العالمية، روسيا تحتل جزر يابانية، وبريطانيا جزر أخرى في “الفوكلاند” في جنوب الأطلسي والمحسوبة أراضي أرجنتينية، وغيرها الكثير، فهل كل دولة تحتل مواقع غيرها يجب أن تُمَثَّل في شؤون الدول المحيطة بالأرض المحتلة لها؟..
المرحلة العربية دقيقة وحساسة، ولأننا فقدنا ثقتنا مع بعضنا فخرجت زعامات وأحزاب وطوائف تمثل أدوارًا خارجية فماذا كنا نقول عن الموالين للاستعمار قبل التحرر ومطالبتهم إلحاقهم بها مثل دعوات صدرت في المشرق والمغرب العربيين حتى عرفنا أن الاستعمار خرج من الباب الكبير وعاد لنا من الشبابيك. فعشنا ولاءً مزدوجًا بالهوية والثقافة والتاريخ؟..
في كل أمة وشعب يوجد عملاء وجواسيس يخدمون جهات معادية، لكن ذلك يُعَد من الاستثناءات وليس قابلًا للتعميم. إذ الأكثرية مع الوطن وحمايته وحريته، وفي كل العصور حافظنا على نسيجنا الاجتماعي والتاريخي حتى في مراحل الضعف الكبرى أثناء الخلافة العثمانية، ثم الاستعمار، فكان الشعار العربي والوطني يطغيان على قبول أي تبعية، ووجدنا من يناضل ويدفع بالاستقلال إلى التضحيات الكبرى. حتى تركيا وإيران قاومتا من أجل استقلالهما ورفضتا أي تبعية. فإذا كان هذا سلوك الدول الإقليمية المحيطة بنا، فكيف تكون لدينا القابلية أن نُشركهما في حلول أزمات من صنعهما، وهل تقبل أي من الدولتين أن تخضع لأوامر ونواهي دولة عظمى، ونحن شاهدنا كيف رفضت تركيا العضو بالناتو التدخل باحتلال العراق أو استعمال قواعدها بضربه، ونفس الأمر مع إيران التي على العكس قامت بدور الحليف والمساعد لأمريكا في الحرب على أفغانستان والعراق من أجل مكاسب تنتظر أن تجنيها من خلال اتفاق (٥+١)..
من المستحيل فرض عزلة على أنفسنا فحتى الضرورات تسمح بتحالفات وتوحيد قدرات لكن بدون تلقي أوامر، أو تدخل بشؤوننا طالما هناك من يريد عكس الاتجاه بفرض وصاية علينا..