إيران ما بعد المرشد..

يذكرنا غياب الزعيم الصيني “ماوتسي تونج” المفاجئ عن شعبه، والتكهنات التي تصاحبها من الشرق والغرب، ثم ظهوره يسبح في مياه النهر ليبدد كل الشائعات والأقاويل..
ما يتداول عن صحة (خامنئي) المرشد الإيراني، والتي أظهرت أن مرضه بسرطان (البروستاتا) لن يعطيه من العمر فترة إضافية، والسبب في تنامي هذه الأخبار وتكهناتها يرجع إلى مستقبل النظام برمته، حيث أن فجوة الأجيال بمن عاصر (الخميني) وما بعده، أو ما يسمى بالجيل الثالث للثورة، وهو النسبة العليا بين المواطنين، هل يفرز دورًا آخر ويعيد صراع المتشددين مع البراغماتيين والإصلاحيين؟ وهل يبقى نظام المرشد أم مجلس قيادي وهو ما سيضع الدولة والثورة والمذهب والسياسة، والتي أصبحت جميعها سلطات مطلقة بيد المرشد، سوف تتحول إلى نظام مغاير يبعد ظل الله في أرضه، والنائب عن الأنبياء كما يزعمون بحيث يبقى النظام يدار بمختلف الأطراف؟..
هذه الأسئلة تعيدنا إلى من سيكون صاحب الدور الفاعل. وهل تقديم بعض الفتات لفقراء الريف الذين يعتمد عليهم النظام وخلافهم مع الطبقات (الأرستقراطية) في المدن الكبرى وأصحاب النزعة الغربية المتفاعل معه، وهي طبقات الأجيال الجديدة، هل ستغير مسار الثورة للدولة؟ ثم ماذا عن المكونات الأخرى التي هبط مستوى تمثيلها الوطني وعزلها من القوميات والمذاهب الأخرى؟ هل تستغل ارتخاء قبضة سلطة الولي الفقيه، وما بعده لخلق اضطرابات جديدة توسع دائرة الخلافات في بلد يشهد تدهورًا اقتصاديًا حادًا مع التزام بتوزيع مداخيل شعبه على حلفاء من حكومات ومذاهب شيعية خلقت طبقة دون خط الفقر بأعداد كبيرة؟..
ثم هل أصبحت ولاية الفقيه وسلطانه التي يدَّعي أنه يستمدها من السماء، بأنها مرحلة تجاوزها الزمن وأن من يرفع شعار الدين بغلاف قومي فارسي يرى أن تراثه ما قبل الإسلام يعلو عليه حضاريًا ويتجاوزه في عصوره المختلفة، وهو النفس والشعار المطروحين من قِبل فئات عديدة ترى أن الفرس يتفوقون على العرب مما أنشأ عقدة أزلية بين القوميتين وذهب إلى صراع المذاهب والطوائف؟
هذا عن الداخل الإيراني، لكن كيف ستحدد معالم السياسة الخارجية، ماذا عن تصدير الثورة، واعتبارها الأساس في التعامل مع المحيط الإسلامي، يعزز ذلك بناء قوة عسكرية تقليدية وما فوق التقليدية أي (النووية). وهل التحالفات مع روسيا وكوريا الشمالية وفنزولا وقوى المستضعفين في العالم، سيكون حزام القوة في نشر مبادئ الثورة وتوطينها خارج إيران، وكيف سيتم التعامل مع الغرب، شياطينه وملائكته، وهو الذي يمارس الضغوط الاقتصادية ويقود الحوار بين الرفض لدولة إيرانية نووية إلا بشروط مقيده، وهل تمدد الحوارات راهن بتطور الأحداث العربية والإسلامية، اللذين ستعطي لهما ميزة المناورة، والاعتراف بالأمر الواقع، والتسليم بما ترغبه، بينما هناك حسابات أخرى تقاس عليها الأبعاد السياسية والمصالح الإستراتيجية لتلك الدول، وأن اعتبار (أوباما) مثلًا رجلًا أقرب لها لتطابق المصالح والتي تجعل أمريكا تفكر بالتعاون مع قوة إقليمية كبرى، كما يُصَوِّر ساسة إيران أنفسهم، بدلًا من أقاليم تتصارع وتتحارب وخاصة في المنطقة العربية، أم أن الغرب يراهن على انقلاب تام داخل المؤسسة الإيرانية نفسها وأن قراءتهم لنزعة الأجيال داخل إيران هي ستغير معالم السلطة الروحية إلى السلطة المدنية، وتغيير الثورة للدولة؟ ..
كل هذه الاستنتاجات قابلة للتأويل والتطبيق، وإيران جزء من أزمات متصاعده حتى في داخلها..