مراكز القوة.. ومواقع الضعف

قالوا أن أمريكا لا تحترم إلا خصومها الأقوياء، وأنها في عصر أوباما ترددت كثيرا بحسم أمور أمنية تهدد أمن حلفاءها في آسيا من قوة كوريا الشمالية، وأن دخول إيران على الخط وعبثها بأكثر من دولة عربية عزز احترام أمريكا لها سواء في مفاوضات على مشروعها النووي، أو إطلاق يدها شرطيا في المنطقة، ثم لاحقًا حليفًا بدرجة مفوضٍ عام لإكمال هيمنتها على الوطن العربي، أو على الأقل تخريبه حتى لا يكون قوة إقليمية موازية لها ولإسرائيل وتركيا..
على وجه مغاير، المملكة ظلت حليفا للغرب وأمريكا بشكل خاص ولم تكن عدوا ولكنها في كثير من الظروف لا تتطابق سياسية البلدين. فقد فاجأت الحليف بحظر النفط مرتين، عام ١٩٥٦م و ١٩٧٣م وهو ما يغاير سياستها وأهدافها ثم جاءت وقفتها مع مصر ضد نظام مرسي ماديًا وسياسيًا، وحصلنا على صواريخ بالستية من الصين دون استشارة معها، وتشاركنا في أحداث تحرير الكويت ومكافحة الشيوعية، وعملنا على تهدئة أسواق النفط وهو ما يرضيها. وفي كل الأحوال، هل نحن خصوم محترمين؟ أم أصدقاء وحلفاء موثوقين؟..
هذه الرؤى تفرض أن نرى البُعد السياسي بين أي دولتين حتى لو تمايزت القوة بينهما لأن هناك مصالح تتأثر وتتغير تبعا لموقف كل بلد. ولذلك حين فاجأت عاصفة الحزم وبالتأكيد بالتنسيق مع كل الحلفاء بما فيها أمريكا، كَتب وتحدث كثيرون أن موقف المملكة غيَّر موازين القوى بالمنطقة كلها. ليس العسكرية بل السياسية وأنها عادت الهيبة للأمة العربية والعالم الإسلامي السني فكان تأثيرها على الدور الإيراني، سواء في مباحثات (٥+١) أو تضخيم قوتها العسكرية وأدوارها السياسية، باتت تضعها في واقعها الصحيح. لكن لماذا مع عاصفة الحزم وجدنا من يصرخ بلبنان وخاصة حسن نصرالله، فصار عروبيًا دون أن يفسخ جُبَّته الإيرانية، وهو يسمع أحد المسؤولين الإيرانيين يطالب العراقيين سلخ (دشاديشهم) المتخلفة ومعتبرًا بغداد عاصمة الدولة الفارسية!..
ميزة العاصفة أنها اقتلعت الغطاء الذي طالما تذرع به حزب الله كخط عربي في مواجهة إسرائيل واعتباره (الممانع والمقاوم). ثم جاء الإشكال من تتالي الضربات عليه داخل سوريا والدخول في مواجهة حادة مع فصائل لبنانية مؤثرة، وتزامن ذلك مع تسليم أول دفعة أسلحة فرنسية لتعزيز الجيش اللبناني من الهبة السعودية التي بلغت ثلاثة مليارات من الدولارات. وهذا كله سوف يضع حزب الله في حال ضعف بالداخل اللبناني إن لم يكن قطيعة معه، وتوالي نقص حاد في موارد إيران التي يتعمد عليها في أوضاعه المادية والعسكرية..
المملكة كما حاربت القاعدة واشتركت في التحالف الدولي ضد داعش السنيتين، نجدها تحارب فصيل الحوثيين وليس المذهب الزيدي الذي تعايشنا معه في تواريخ طويلة، وكان كل مواطن يمني يعمل في المملكة لا يُسأل عن مذهبه. بل كان من يُمنع دخوله عناصر يسارية وقومية فقط. ثم نسأل، لماذا تقف أمريكا مع التحالف الذي تقوده المملكة؟ هل نعتبرها لعبة السياسة كما يصورها البعض؟ أم تلاقي الأهداف العليا والتي ليست مجال امتحان و اختبارٍ للنوايا في ظروف كهذه؟..
قطعًا قد لا تتوافق السياسات في موقف ما، وتتلاقى أمام أخرى. وفي كل الظروف نعرف أن التفسير النهائي لمواقف المملكة ليست خصوماتها وتحالفاتها، وإنما قوتها الذاتية في العديد من المجالات التي وضعتها ركنًا لا هامشًا..